الذكاء الاصطناعي
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
ببساطة يُقصد بالذكاء الاصطناعي تصنيع الذكاء! بمعنى أن نجعل الآلة -أي جهاز إلكتروني- يحاكي ذكاء البشر -في جوانب محددة-، ويتصرف وفقاً للموقف المباشر، ويحدد القرار بناء على ما يتطلبه الحال، من خلال التغذية البرمجية المفصلة.
عمق أكثر: حين نعلم أن ذكاء البشر متفاوت فمن باب أولى أن تتفاوت الآلات بمستويات الذكاء الاصطناعي، فبحجم ذكاء المبرمج وقدراته وإمكانياته يكون ذكاء الآلة، فهناك آلات خارقة الذكاء كما أن هناك أخرى غباؤها يغلب على ذكائها!
مثال: غسالة ملابس قديمة يتم تشغيلها بشكل يدوي وتعبئتها بالماء ومسحوق الغسيل يدوياً لمدة محددة ثم تتوقف عن العمل، هي لا تدرك أوزان الملابس ولا مستوى الماء ولا تعلم ما في جوفها أصلاً، وستعمل في جميع الظروف حتى وإن كانت فارغة! هذا الحال يُسمى جهاز كهربائي خالياً من الذكاء تماماً.
استطراد: لكن ماذا عن غسالة أخرى تضع بها الملابس ثم تحدد خيار الغسيل السريع بنقرة زر وتتركها تتعامل هي بذكائها الاصطناعي مع متغيرات الواقع الحي، لتخرج لك أفضل نتيجة ممكنة، ذكاؤها سيحدد وزن الملابس المتسخة تلقائياً، ثم ستعرف بنفسها عن طريق أجهزة تحسس مستوى الماء المطلوب دون زيادة أو نقصان، وستمزج الماء الحار بالبارد على درجة حرارة مناسبة للغاية، وإن كانت شديدة الذكاء في حال عدم توفر ماء حار من صنبور السخان الموصل بها فإنها تعطي أمراً لجهاز تسخين داخلي بتسخين الماء! ولأنها ذكية ستتصرف بحكمة عند عدم توفر الماء كلياً ولن تدير المحرك بدونه، بل ستتوقف عن العمل وستصدر نداء أو صفير لمن داخل المنزل لتخبره على شاشتها الإلكترونية بعدم توفر الماء! بعد حل مشكلة الماء ستعاود العمل تلقائياً وستختار الكمية المناسبة من مسحوق الغسيل وإن لم تجد المسحوق ستصدر أيضاً نداء استغاثة! بعد إتمام مرحلة الغسيل ستقوم بعصر وشطف الغسيل بناء على نوعية الملابس ووزنها، ثم تقوم من تلقاء نفسها بعملية التنشيف وفقاً لدرجة الحرارة الخارجية، ففي الشتاء ستزيد مدة التنشيف وفي الأجواء شديدة الحرارة ستختصر العملية بعض الشيء، باختصار هي تحاكي ذكاء البشر وتتخذ القرارات بناء على الموقف ولا تسير بنمط جامد واحد.
لماذا راج وشاع المصطلح حديثاً رغم قدم التقنية؟
في الواقع أول من صاغ مصطلح «الذكاء الاصطناعي» هو عالم الحواسيب الأمريكي جون مكارثي وكان ذلك في العام 1955 للميلاد، ولكن ظل المصطلح نظرياً لسنوات طويلة ثم تمثل على أرض الواقع على استحياء وبقدرات محدودة، ثم راج مؤخراً وصار حديث المختصين وغير المختصين وأولته الحكومات القوية اهتمامها البالغ، وصار صناعة تدر المليارات ومطلب أساس لمستخدم التقنية، ولعل أبرز أسباب هذه الطفرة هي قدرات المعالجات الحديثة وتطورها الحديث، بالإضافة لانخفاض أسعارها مقارنة بالماضي، ما جعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي واقعاً وخياراً مجدياً في أكثر المجالات، أما من تشبث بالنهج القديم وتجاهل الذكاء الاصطناعي فسرعان ما وجد نفسه متخلفاً عن الركب التقني، وكسبت الشركات الرائدة الرهان وأحرزت قصب السبق في انتاج الذكاء وتصنيعه، فحظيت بالريادة واستحوذت على الأسواق وحفزت البقية للحاق بعصر الذكاء الاصطناعي طوعاً أو كرها.
اهتمام المملكة العربية السعودية بالذكاء الاصطناعي:
أولت الحكومة السعودية هذا المجال اهتمام بالغ حيث أسست في العام 2019 الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء ويترأس مجلس إدارتها ولي العهد الأمير الشاب الشغوف بالتقنية محمد بن سلمان، بجانب عضوية كل من سمو معالي وزير الداخلية ومعالي وزير المالية ومعالي وزير التجارة ومعالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات ومعالي رئيس رئاسة أمن الدولة ونخبة من القامات والطاقات الوطنية، وجُعل مركز المعلومات الوطني بكافة قدراته العريقة وتاريخه التقني الطويل نواة وذراعاً لهذا المشروع العملاق، لتحقيق رؤية 2030 على الوجه المأمول، وسرعان ما توالت الإنجازات المذهلة، فتم دمج أكثر من 100 مركز بيانات وتوفير أكثر من 30 خدمة سحابية آمنة لخدمة الإنسان، وانشأت منصنة إستشراف لتتعامل مع أكثر من 40 سيناريو، واستضافت المملكة بشغف ونجاح القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وسخرت ذكائها التقني لإيجاد حلول مبتكرة لتخفيف آثار جائحة كورونا صحياً واجتماعياً واقتصادياً، ورسمت الاستراتيجية للبيانات والذكاء الاصطناعي خططها لتحقيق أهداف رؤية الوطن، ولعل أبرز المستهدفات بحلول 2030 توفير قرابة 20 ألف فني وخبير في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، وإقامة استثمارات وطنية تقدر بـ45 مليار ريال سعودي.
من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعاصر "دراسة حالة":
المشكلة: وجود أكثر من 1.2 مليار مستخدم لبرنامج الأوفيس حول العالم، وأكثر من مليار مستخدم فعلي لنظام ويندوز 10 وحده، هذا الكم الهائل من المستخدمين بحاجة لتقديم الدعم والمساندة والإجابة على الاستفسارات وحل المشكلات بسرعة كبيرة من قبل شركة مايكروسوفت، أمام الشركة خيارين، إما أن تتبع الطريقة التقليدية وتؤهل عشرات الآلاف من الموظفين بمختلف لغات العالم وتوظفهم للرد على المستخدمين، وهذا الخيار بالتأكيد سيحتاج إلى وقت طويل وتدريب ممنهج وميزانية عملاقة، الخيار الثاني هو الذكاء الاصطناعي، عبر إنشاء نظام آلي ومحادثة فورية آلية تتمتع بالذكاء الخارق لفهم أسئلة المستخدمين والرد عليها بشكل دقيق ومباشر دون انتظار على مدار الساعة.
الحل: دشنت مايكروسوفت مساعدها الشخصي الذكي واطلقت عليه اسم "كورتانا" في العام 2014، النتيجة المذهلة وفقاً لإعلان الشركة أن البرنامج تلقى حتى الآن أكثر من 18 مليار سؤال! بمعدل 1.25 مليون سؤال في اليوم الواحد!